رواية السيرك علاء حليحل PDF

 الافتتاح لم یكن بالحدث الرائع. البعض القلیل من المدعوین غالبیتھم الساحقة من معارفھ. كلمات
الافتتاح كانت طویلة ومنھكة، والنبیذ كان رخی ًصا وسيء الطعم. حتى مكیف الھواء لم یعمل تلك
اللیلة، وخیل لھ أ ّن تیار الكھرباء سینقطع الآن وأ ّن المبنى سیقع وأ ّن لوحاتھ ستتمزق تحت أنقاض
المبنى. بل ُخیل لھ للحظة أنھ سیُبدل الابتسامة الصفراء التي رسمھا على وجھھ منذ بدایة المساء
بتقاطیع غاضبة ستحمل الحضور على الھرب طلبًا للنجاة. “معرض جمیل”. “شك ًرا، أن ِت أجمل”.
وضحكا قلیلا. كانت تم ّر بسبابتھا على حافة كأسھا البلاستیكیة وتصطنع التأمل باللوحات من
حولھا. ما الذي تفھمینھ بالفن أنت لتقولي إ ّن المعرض جمیل- انفجر بینھ وبین نفسھ. زانیة مثلك لا
تحسن سوى النوم على ظھرھا والتو ّسل لقلیل من الاھتمام بعد دقیقة من الولوج والخروج. “یُخیل
إل ّي أ ّن الألوان في ھذه اللوحة حیة أكثر من الأخریات،” التفتت نحوه متسائلة. “بھذه الوتیرة
ستتحولین إلى ناقدة فنیة فذة،” أجاب مبتس ًما. كان یو ّد للسخریة أن تطغى على جملتھ، فأطال النظر
إلیھا مبتس ًما. “بالفعل. أنظر إلى الأزرق ھنا،” وتقدمت نحو اللوحة موضوع الحدیث، “كأنك
عانی َت وأنت تخلطھ وتضعھ بریشتك على القماش. مذھل حقًا”. “أجل،” واقترب من اللوحة من
باب الأدب. “وكأنك لم تكت ِف بذلك فأضف َت إلیھ الأصفر قلیلا، وقلیلا من الأحمر ھنا”.
م ّدت یدھا ُمشیرة إلى طرف اللوحة بسبابتھا. “عظیم،” افتعل الانفعال، “لدینا ھنا ناقدة فنیة جدیدة،”
صاح بمسرحیة وتطلع نحو الحضور مبتس ًما. ھي بدورھا ضحكت واحم ّرت وجنتاھا ورشفت من
كأسھا قلیلاً من النبیذ الرخیص. في الأیام الجیدة لا یكون مضط ًرا إلى التواجد مع ھذا الحشد الھائل
من الأشخاص الذین یجمعھم بشكل عجیب الكثیر من التملق والاحتقار المتبادل. أنور وسامیة مثلا.
یقفان معًا في الزاویة قرب لوحة كبیرة ویتجاذبان أطراف الحدیث والضحك. لم یم ِض أسبوع على
حدیثھ المط ّول مع أنور عن سامیة وكم ھي حقیرة: “لا یمكنك أن تتص ّور مدى رخصھا
وسخافتھا،” اشتكى أنور وھو ما ٍض بسرعة إلى ال ّسكر.
“لیس أنھا أرادت قطع العلاقة بیننا فقط، بل أرادت مصارحتي بالصفات السلبیة التي تغمرني
وتطغى على حیاتي.. أتصدق؟”
كان یھ ّز رأسھ دلالة التف ّھم ویص ّب لھ المزید من البراندي الرخیص. أنور یخلد إلى النوم رأ ًسا إذا
مة
تسا
سكر- وھذه كأس أخرى. “ھاي سمیر”.. كانت عبلة وخالد حمزة یتجھان نحوه وكانت اب
المنتصر )تعرفونھا( تو ّسع من عرض شارب ْي العریس الجدید. “أھلا، أھلا”.. ابتسم وصافح
الاثنین. “متى عدتما؟”.. “قبل یومین،” أجابت عبلة باحتفالیة وسرور، “لقد كان شھر عسل رائعًا،
لا یمكنك أن تتخیل مدى روعة أمستردام في المساء”..
“أسمح لنفسي بالتخیل،” قال سمیر مبتس ًما. “ھل سافر َت إلى اوروبا مرة؟،” سأل خالد وھو یشعل
سیجارة. “أجل، أكثر من مرة. كان ذلك-” “أما ڤیینا،” قالت عبلة وكأ ّن سمیر وخالد لم یتحدثا
مطلقا، “فھي شيء لا یُص ّدق. دار الأوبرا ھناك تسحر الألباب. ألیس كذلك حبیبي؟