كتاب الإمام علي في محنه الثلاث محنة التاريخ – محنة تشيع – محنة الإنسان علي شريعتي PDF

يستشهد الدكتور على كلامه هذا بالمعاناة الخفية والواضحة في جل الأعمال الأدبية والفنية الخالدة التي خلفها الإنسان على مر العصور، فعلى مر الزمن كان الإنسان يحس بغربته وأنه لم يخلق لهنا بل خُلق لهناك وإن كان لا يعلم أينه ذاك الهناك ، لكنه يعلم أن هناك أكثر جمالاً وأكثر روعة وأناس أطيب واحسن وأخلاق فاضلة وحب وسلام وخير فلاوجود للشر والأشرار ويتضح ذلك جلياً فيما خلده التراث البشري من أساطير وحكايات وإن كانت خيالية فهي دليل على فهم الإنسان بانه لابد ان هناك عالم آخر أفضل.
وما أسطورة الإله بروميثوس الذي أقدم على عمل هو قمة التضحية والفداء حيث سرق النار من محضر الإلهة ونزل بها إلى الأرض ليقدمها للبشرية كي تنير طريقها وتطرد الظلام والبرد القارس فما كان من الإلهة إلا أن كبلته وقيدته وعاقبته شر عقاب لفعلته هذه ، وكذلك أسطورة روميو وجولييت حيث الحب العذري الكبير وكذا سيمفونيات مبدعي الموسيقى.
كل هذه الروائع كانت رائحة الحزن تنبعث منها وحب التطلع إلى الأفضل يبدو واضحاً على قسماتها ، فلاوجود في الحقيقة لبروميثوس ولا لروميو وجولييت ولا لبحيرة البجع فلماذا أبدع الإنسان بهذا المستوى الحزين ؟
كل هذا بسبب تطلعه إلى عالم يضم كل هذه المعاني السامية والعظيمة فبات يحلم بالمدينة الفاضلة ((يوتوبيا)) حيث كل مايريد من تضحية وفداء وحب وخير وسلام.
ثم عرج الدكتور ليبين أن الإمام علي عليه السلام هو أكبر مصداق لمحنة الإنسان في هذه الدنيا فهو كان المثال الأصدق لغربة الإنسان في الدنيا خصوصاً بعد فقده لرسول الله صل الله عليه وآله وسلم ولفاطمة الزهراء عليها السلام حيث كانت كل تلك القيم تتجسد فيهما ، وكل الآثار الدالة على بكاء الإمام وحرقته تبين مدى لوعة هذه الإنسان من هذه الدنيا المحدودة والتي لا يرى فيها تلبية لكل مايريد فهي قاصرة عن تلبيه رغباته فهي إذاً ناقصة ولابد للكمال أن يكون موجوداً في مكان آخر.