كتاب العالم ليس سلعة عبد الهادي بوطالب PDF ،ينتمي الأستاذ عبد الهادي بوطالب إلى الجيل الأول من الحركة الوطنية الذي ساهم في يقظة الوعي الوطني المغربي، وتأطيره فكريا في اتجاه تحقيق الاستقلال الوطني لكنه ينفرد، داخل هذا التيار الوطني، بسمات خاصة، أبرزها هي هذه النقلة الفكرية الهائلة التي جابها. فهو سليل المدرسة السلفية المغربية، إذ تلقى تعليمه الأولي في القرويين على يد علماء أفذاذ، فحفظ القرآن، ودرس علوم اللغة، والفقه، والتفسير والقانون الإسلامي.
وقد شكل هذا التحصيل شخصيته الثقافية القاعدية التي زودته بأساس ثقافي متين ظل حاضرا خلال كل مراحل هذه الحقبة الفكرية من تطور فكر الأستاذ عبد الهادي بوطالب هي كتاب وزير غرناطة لسان الدين بن الخطيب، حيث يحتفظ الموضوع الأندلسي، وشخصية لسات الدين بن الخطيب (ذو الوزراتين) بأكثر من دلالة ثقافية وشخصية.
إذا كانت السلفية والليبرالية السياسية هي الروافد الفكرية الأولى للأستاذ بوطالب والمحك الاختباري الأول الذي هيأه لقطع مراحل التاريخ، فقد شكلت الممارسة السياسية المحك الثاني القوي الذي أهل قابليته الفكرية لفهم الحياة السياسية الحديثة والقبول بها، والمساهمة فيها.
فهو عندما كان مستشارا للملك الراحل لم يكن يقدم مشورته كفقيه بل كسياسي عصري يجمع بين أصالة التكوين التقليدي، وجدة الفهم العصري للقوانين التي تحكم العالم الحديث.
وخلال هذا المخاض السياسي الطويل، الذي لم يخل من هزات، وبياضات، ونكبات، وفترات صعبة، استطاع الأستاذ بوطالب أنه يستل شعرته الفكرية من العجين السياسي، فكان يعود بين الفيبنة والأخرى ليتفرغ للعمل الفكري، أو كان يختلس، في زحمة العمل السياسي، بضع لحظات لتدوين رؤاه وتحليلاته التي لم تعد مجرد خواطر أدبية، بل أفكارا اعتصرها من معترك الحياة السياسية والمسؤولية والمؤسسية الرسمية.والناظر في مجمل كتابات الأستاذ بوطالب، على امتداد هذه الفترة الطويلة، المشحونة يالتقلبات، وبتنوع المسؤوليات، يتبين أن كتابات المرحلة الثانية تتوزع بين الكتابات ذات المنزع الأكاديمي، والتي هي مادة الدروس التي كان يلقيها على طلبة كلية الحقوق في سنوات أو فجوات التدريس، والكتابات التي هي تفكير في ممارساته السياسية والمؤسسة واستخلاص لدروسها، ثم الكتابات التي تشكل المتن الفكري للأستاذ بوطالب، والتي تتمحور حول الإسلام وأهمها الصحوة الإسلامية وحقيقة الإسلام، والحكم والسلطة والدولة في الإسلام…إلخ، وهي تمثل استمرارا تجديديا للخط التنويري في المدرسة السلفية المغربية، والتي يعلن الأستاذ بوطالب بفخر، انتماءه لها وسيره على دربها، كما يعلن أنه تتلمذ على يد روادها الأوائل قبل محمد بن العربي العلوي وشعيب الدكالي وعلال الفاسي وغيرهم من الرواد الذين تميزوا بجرأتهم الاجتهادية الواضحة.
عبر هذا المسار السياسي والفكري الثري، استطاع الأستاذ بوطالب، أن يبلور صورة مثقف مستنير جذوره ضاربة في أعماق التراث، وآفاقه منفتحة على معطيات العصر وثقافته. وذلك ربما حلة عينية نموذجية لإمكان التوفيق بين موقف إسلامي مستنير لا ينغلق على تراثه ولا يرتمي كليا في أحضان الفكر الغربي. فهو يدين “التفكيرالمتحجر الذي يخل بحقيقة الإسلام”، مثلما يدين “التفريط في الالتزام بتعاليم الإسلام”.
ويعلن أنه يفهم الدعوة السلفية “لا كحركة تدعو للعودة إلى الماضي كغاية في ذاته، بل كدعوة إلى تحرير الحاضر من معوقات الماضي لامتلاك المستقبل”. وربما كان هذا هو سر مواقفه المستنيرة من قضايا حادة وحاسمة كقضايا الهوية، والمرأة، وطبيعة السلطة السياسية…، وهي المواقف والتحليلات التي رسمت لفكره في مشهدنا الثقافي صورة فكر إسلامي مستنير، وتوفيقيـ وإصلاحي معتدل.