كتاب تاريخ الإسلام في الهند عبد المنعم النمر PDF

سافرت, والضباب يحيط بى بالنسبة لتاريخ المسلمين فى هذه البلاد, حتى إذا وصلت إليها, وأقمت فيها مدة, أخذت أشعة المعرفة تمزق الضباب الذى أحاط بى, وأخذت أعرف شيئا فشيئا تاريخ المسلمين فيها, وكانت مفاجأة رائعة لى حقا: أن أعرف أن المسلمين قد حكموها حكما متواصلا ثمانية قرون ونصف, وتركوا فيها من الآثار الخالدة الرائعة ما تزال الهند للآن تعتز به كأثمن شئ تعتز به أمة فى العالم, وأن هذا الحكم الإسلامى العتيد, أو هذا الفردوس الإسلامى قد قضى عليه الإنجليز منذ مائة سنة فقط!! فعم منذ مائة سنة فقد المسلمون حكم هذه البلاد!!
وقد أغرانى ذلك بالبحث والتنقيب, فتفتحت لى جوانب مشرقة لجهود المسلمين وجهادهم فى هذه البلاد الواسعة الشاسعة, سواء أكانوا ملوكا أم علماء, حتى كتبوا فى تاريخ الإسلام صفحات خالدة فى هذا الجزء من العالم.وعز على كثيرا أن يكون هذا التاريخ المجيد مجهولا من قراء العربية, وأن يجد منا إهمالا تاما فى مناهجنا الدراسية.
تعجبت كيف أسدل على هذا التاريخ ذلك الحجاب الكثيف, وحيل بيننا وبين معرفته, والاعتزاز به قرونا متطاوله, ولم يكن تاريخا هزيلا, بل كان تاريخا عملاقا. استمر كل هذه القرون, وصنع حضارة من أزهى الحضارات الإسلامية التى عرفناها فى عواصم البلاد العربية, يوم أن كانت هذه العواصم تصنع التاريخ, وتصنع الحضارات.
نعم عز على إهمال هذا التاريخ, وشعرت بأنى أمام عب جديد, وأمانة يجب أن أتحملها وأؤديها مهما صادفى من عقبات, فقد أتيح لى ما لم يتح لغيرى من قبل, وانفعلت نفسى بمشاهد هذا التاريخ التى لاتزال معالمها الرائعة تحدث كل من رأها بمجد أصحابها وعظمتهم, أفأملك بعد ذلك أن أرى وأسكت؟!.

وبدأت أحبس نفسى بين هذه الكتب, وأنفق كل ما أملكه من فراغ لقراءتها, مستهينا بكل تعب أمام لذة المعرفة, وفتح مغاليق هذا التاريخ. وهكذا تيسر لى جمع المعلومات من هنا وهناك حتى إذا انتهيت من الجمع والتدوين أخذت من جديد فى ترتيبها وتبويبها, وكلما مر الوقت اتسعت أمامى الآفاق, وازدادت معلوماتى عن هذا التاريخ, حتى جاء الكتاب فى كتابيه الثانية والأخيرة كتابا ضخما يجمع معلومات وافية ودقيقة –كما أعتقد- عن المماليك الإسلامية التى تعاقبت على حكم الهند من سنة 1001م إلى سنة 1857م, أى ثمانية قرون ونصف, واتخذت من “دهلى أو أكرا” عاصمة لها, وأقام حضارة إسلامية عظيمة, تفاخر بها حضارات العالم, وكذلك عن الممالك الإسلامية الأخرى التى قامت فى نواح متباعدة عن “دهلى” واستقل حكامها بحكمها, وتنافسوا فيما بينهم فى توسيع رقعتها, والرقى بشؤونها وإسعاد الرعية فى ظلها.
وقد رأيت من الضرورى –وأنا أكتب عن تاريخ الإسلام ودخوله إلى الهند –أن ألقى ضوءا على الهند قبل الإسلام, ولاسيما أديانها التى كانت تتقاسمها فى ذلك الوقت, وأن أذكر ما يعطى القارىء فكرة عامة عن جغرافيتها وإمكانياته.