يضم الكتاب دراسات تمثل رصداً لتفعل الساحة الثقافية المغربية على الخصوص والعربية على العموم مع حركية البحث العالمي في نظرية الأدب في فترة امتدت من بداية الثمانينات إلى الآن. يؤطر المقال الأول التحولات التي تسارعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من النقد الايديولوجي كما وقعت في الغرب بالحديث.. عن أصولها في الإطار النظري العام من خلال رؤية عامة ترصد تحول النص من مفهوم الوثيقة (النزعات الوضعية) إلى النص التحفة (النزعات الشكلانية) إلى النص العلامة (في المجال السميائي).
وتبدو هذه الدراسة الشاملة المستندة إلى المقام التواصلي بأطرافه الثلاثة (المرسل والنص والمتلقي) وكأنها تمهيد تاريخي لجمالية التلقي التي احتفى بها الدارسان احتفاءً خاصاً. بل يعتبر هذا المقال على العموم هيكلاً عاماً لنظرية الأدب في القرن العشرين ثم تأتي المقالات الأخرى لجلاء جوانب الموضوع. وقد حُرِص على إبراز منزوعين كبيرين بشكل غير مباشر: 1-النزوع إلى تمييز الأجناس. في هذا الإطار يدخل الحديث عن المقامات الأدبية واثرها في تمييز الأجناس خاصة في البلاغة القديمة، 2-النزوع إلى تجاوز إشكالية الجنس.
ففي مقابل هذه النصوص التي ترصد الخصوصيات الجنسية، تم تقويم نصاً واسعاً موسعاً يتعامل مع “النص” في أبعاده المختلفة الأدبية وغير الأدبية: الصوتية والتركيبية والدلالية والبلاغية والأسلوبية والتداولية والمعرفية… الخ ينظر شمولياً فيما هو شمولي ويلتفت أحياناً إلى الخصوصيات (خصوصيات السرد أو خصوصيات الشعر الغنائي مثلاً).
يكتسي النص المقدم هنا أهمية كبيرة بالنسبة للقارئ الأدبي الذي يريد أن يطل على هذه النظرية التي تصف نفسها بالعلمية (“علم النص” و”علم النص الأدبي”)، إذ سيجد أمامه مدخلاً مدرسياً مبسطاً بقلم أعلام هذا العلم: فان ديك. مدخلاً مزوداً بلائحة شاملة بمصادر النظرية في عدة لغات ويقول المترجم بأن حرصه على تبسيط النص وتقريبه من الفهم كان مقيداً في كثير من الأحيان بالخوف من التسطيح والابتذال. لقد كان تصرفه ممكناً بالنسبة لمقال “ابش” وفوكيما، لأنه عرض ذو طابع تاريخي وتحليلي لموضوع ملموس معروف في مجمله، كما أن مقال فان ديك لا يتطلب أي تدخل نظراً لطابعه البيداغوجي، هذا بخلاف ما عليه الحال بالنسبة لمقال جان كوهن الذي يدخل في نطاق الإبداع العلمى، فهو يقدم أطروحة جديدة أو محددة على أسس فلسفية ظاهراتية ونفسية ليست مأنوسة في مجال البحث البلاغي العربي. لقد التزم المترجم في هذه الحالة أقصى ما يمكن من الارتباط بالنص مستعيناً بالمعاجم المتخصصة لتدقيق الفروق بين المفاهيم محاولاً مساعدة القارئ بمقدمة تمهيدية ومعجم للألفاظ والمصطلحات الخاصة.
ليست الدراسات والمقالات المكونة لهذا الكتاب اختياراً محكوماً بنزوع ذاتي بحت، نحو مذهب محدد بل هي، قبل كل شيء، رصد لتفاعل الساحة الثقافية المغربية على الخصوص والعربية على العموم مع حركية البحث العالمي في نظرية الأدب في فترة امتدت من بداية الثمانينات إلى الآن. لذلك فهذا العمل يلتحق بترجمتنا أو مساهمتنا في ترجمة أعمال سابقة نذكر منها: بنية اللغة الشعرية لجان كوهن. والبلاغة والاسلوبية لهنريش بليت. والاتجاهات السيميولوجية المعاصرة لمارسيلو داسكال.
لقد تسارعت الخطا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من النقد الأيديولوجي، الذي هيمن خلال السبعينات إلى البنيوية التكوينية، التي حاولت عقد قران شرعي بينه وبين الشكلانية النصية، وصولاً عبر الثمانينات إلى البلاغة اللسانية الشكلانية ثم إلى السيمائيات التي تعيد الاعتبار، في المجال البلاغي والأدبي عامة للبعد التداولي، ثم الاهتمام الكبير بالبعد الثالث المهمل من المقام التواصلي مع نظرية التلقي.